- موضوعات متنوعة / ٠3دورات للطلاب الأجانب / ٠1دورة عام 1998
- /
- ٠2عقيدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، يا رب العالمين.
صـــوت الشيطــــان الموسيقا
إن مرافقة الموسيقا لإنسان هذا العصر بدءاً من استيقاظه، وأثناء طعامه، وفي حله وترحاله، وحتى أثناء عمله، يشكِّل ظاهرةً تستحق منا وِقفة...
لقد شاءت حكمة الله عز وجل أن يكون للإنسان في رِحلته الدنيوية أبعاداً عدة، فهناك بُعد مادي بكل تعقيداته، وحاجاته، وهناك بُعد نفسي خطير بما يحمل من إرادة ومشاعر، ويتبادل هذان البعدان التأثير، وهناك ارتباطات ونوافذ تصل بينهما، فعلى مستوى المشاعر: خُلق وجه الإنسان مجهزاً بآلية عضلية، تُفصِح عن المشاعر المختلفة، فالوجه مرآة للنفس والدمع على سبيل المثال يخرج من أكثر الأماكن وضوحاً ؛ ليعبِّر بشكلٍ صارخ عن شعور نفسي داخلي.
وكذلك الصوت له قدرة كبيرة على نقل المشاعر، والملاحظ أن الكلمة الواحدة تعبِّر وتؤثر بشكل مختلف إذا اختلفت طريقة نطقها، فمثلاً: قول لا (أدري) بصوت غاضب قد يزعج المستمع، بينما قولها بصوت لطيف قد يسبب راحة واطمئناناً، إذاً فالصوت وسيلة تنقل المشاعر كما تنقل المعلومات.
والحياة بما فيها من مخلوقات تتضمن أحداثاً تترافق مع أصوات تثير في الإنسان المشاعر المختلفة، فمن شعورٍ من ضحكة طفل، إلى شعور بالرهبة من صوت الرعد، إلى شعور بالإنكار من صوت الحمار.
وانظر إلى صوت بكاء الطفل، كم يثير في الإنسان منْ مشاعر الشفقة والعطف فيندفع إلى تلبية احتياجاته.
وانظر إلى صوت الأم الدافئ، كيف يغير حال الطفل من القلق إلى شعور بالطمأنينة، والأمان، فيهدأ وينام.
فالصوت إذاً يترافق مع الحدث، فينقل شعوراً، يحول الإنسان من حالة ركود، إلى حالة انفعالية، تدفعه نحو اتخاذ موقف ما.
وقد أشار الله تعالى إلى قدرة الصوت على نقل المشاعر إلى المستمع ومن ثَمَّ التأثُّر به، قال تعالى:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)﴾
والحقيقة أن كلام المرأة قد لا يحمل أي معنى يستدل منه على الخضوع ولكنَّ نغمة صوتها، وطريقة كلامها، قد تنقل إحساساً بالخضوع إلى السامع، فتؤثر فيه، فيطمع.
إذاً فإثارة الطمع لا تتطلب معلومات، أو كلمات خاصة، وإنما تتطلب نغمة صوت معينة، فإذا استطعنا أن نقلد هذه النغمة موسيقياً، فإننا سنثير في السامع شعوره الغريزي، من دون وجود السبب الحقيقي لذلك.
إذاً فقد ارتبط الصوت في الذاكرة، مع شعور معين ناتج عنه، فكلما سمعنا هذا الصوت، عاودَنا الشعور نفسه.
والآن إذا أردتُ أن أثير فيك شعور الرهبة، أقلد لك صوتاً من طبيعة إثارة الرهبة في النفوس ؛ فبضع ضربات قوية ومدروسة على طبل، كانها صوت الرعد، مترافقة مع صرخات بوق ناعق، يشبه صوت العواصف والزوابع، ستجد نفسك تشعر بالخوف، والاضطراب، اللذان يسببهما حدث الرعد الحقيقي، أثناء العاصفة.
إذاً فالنفس هنا خُدِعت، وأُجبرت على الشعور بالخوف، من دون وجود ما يدعو لذلك حقيقة، وقد استُغِلت تلك القدرة على الخداع، والإيهام في التلاعب بالمشاعر من قِبل مَنْ يُسَمَّون موسيقيين، أو ملحنين، فأصبحوا يثيرون مشاعر الناس، كيف يشاؤون.
وعندما ينفعل الإنسان، ويتأثر، فإنه يضيف الحركة إلى التعبير بالصوت، مما يساعده على إفراغ شحنة التأثر والانفعال لديه، فإذا غضب أو حزن، فإنه يحرك يديه ورأسه، وقد يكون جالساً فيقف.
وللموسيقا ـ كما ذكرنا ـ قدرة على إيهام النفس، والتأثير عليها وتحريك غرائزها، وقد تحمل أحياناً شحنة هائلة مصطنعة، تدفع المستمع المتأثر إلى تفريغها، لا بتحريك الرأس أو اليدين فقط، بل إلى تحريك الجسد كله بشكل هستيري، يُسمى رقصاً.!.
إن خداع المشاعر يمكن أن يتم بطريقة أخرى، باستخدام كيماويات مصنعة هي المخدرات، فإنها تؤثر بشكل مباشر وقوي على المشاعر من دون سبب حقيقي يدعو لذلك، فالإنسان بطبيعته دائم البحث عن السعادة ولكن حالة الضلال والغفلة لا يوجد فيها سبب واحد من أسباب السعادة الحقيقية، فهروباً من هذه الحالة، وبدلاً من معالجة مشاكله الحقيقية، يحقن جسده بالمخدرات، ليعيش في عالم وهمي، من السعادة والتفوق.
إن العلاقة بين الجرعة المخدرة، وبين المشاعر، تشبه العلاقة بين الموسيقا وما تثيره من مشاعر كاذبة، ففي كلتا الحالتين لا علاقة للمشاعر بالواقع، فهي في واد، والمشاعر في وادٍ آخر، ولا ينتج عنها إلا مزيداً من الضياع والتشتت، والبعد عن الحق، ومدمنوا هذه الوسائل، يشتركون بالنظرة العبثية للحياة، فواحدهم لا يعرف لماذا يحزن، أو لماذا يفرح ؛ لأنه لا يعرف أصلاً أن هذه القدرات على التأثر، إنما خُلقت كي تدفعه للوصول إلى السعادة الحقيقية عن طريق الحق، إلا أنه ارتضى لنفسه سعادة وهمية، وارتضى لقلبه أن يصبح ريشة في مهب الريح، فيفرح ويحزن ويتفاعل من دون وجود أي سبب حقيقي لذلك.
والإنسان البعيد عن الله، لا يكتفي بأن يتخذ جهةً ما أو شخصاً ما ملجأً من دون الله، ولكنه قد يتخذ هذه الوسائل الكيماوية، او الموسيقية ملجأ يلوذ به، فهو يريد الهرب من مشاعر الضجر، والقلق، والضيق التي تحاصره، بدل اللجوء إلى خالقه المغيث، المجيب، الرحيم.
قال تعالى:
﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)﴾
إن الذي لا يفرح ولا يحزن ليس إنساناً، والمؤمن ذو ذوق جمالي رفيع يرى الجمال في الحق والخير، وهو يحترم نفسه ومشاعره، فهي مشاعر مقدسة، ذات غايات نبيلة، خُلقت لتُسهم في تفاعل الإنسان مع الحياة ولتغير حاله بشكل فعَّال، فيرقى بمشاعر الحزن الخلاَّق، والقلق المقدس والرحمة بالخلق، والتعاطف معهم، والفرح بالطاعة، ويسعد برضوان الله وفضله، والقرب منه.
لقد عرف المؤمن أن تحريك المشاعر بهذه الطريقة، والتلاعب بها دون أي رصيد من الواقع والحق، ما هو إلا احتيال وهروب، مع أن العيش في الواقع ومواجهته ـ وإن كان مرَّاً ـ خير ألف مرَّةٍ من العيش في الوهم، وإن بدا مريحاً.
والموسيقا ترسيخ للمشاعر الزائفة، على حساب المشاعر العفوية الصادقة، والإسلام يكره الزيف والخداع، ويبغض الاستهلاك الرخيص للأشياء الثمينة، كالوقت والمشاعر، ويرفض إخراجها عن أهدافها السامية.
هذا ولابد ـ بالإضافة لكل ما سبق ـ إلى أن نعود في دراستنا هذه، عن الموسيقا إلى النصوص الشرعية الواردة في ذلك الشأن، والتي تُعتبر هي الأصل في إثبات حكم الحلِّ والحرمة لما نحن بصدد دراسته.
نريد الآن أن نستعرض بعض النصوص التي حسمت أمر هذه المسألة التي كثر فيها الكلام، قال تعالى مخاطباً إبليس:
﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً (64)﴾
وصوت الشيطان هو المزامير على قول مجاهد، وابن عباس والضحاك وقال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)﴾
قال الحسن البصري: " لهو الحديث هو المعازف، والغناء ".
وقال مجاهد: " الغناء والمزامير ".
وأما السنة الشريفة: فالأصل في هذا الباب هو ما رواه الإمام البخاري:
(( عن أَبي عَامِرٍ أَوْ أَبي مَالِكٍ الأشْعَرِيُّ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ (الزنا) وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". وفي لفظ ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يُعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير ))
وهناك مجموعة أحاديث شريفة صحيحة، نوردها فيما يلي:
(( عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة ))
وقال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْكُوبَةَ (وهي آلة تشبه الطبل) وَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ))
وقال عليه الصلاة والسلام:
(( يكون في أمتي قذف، وخسف، ومسخ قيل يا رسول الله: ومتى ذاك ؟ قال: إذا ظهرت المعازف، وكثُرت القيان وشُربت الخمور ))
وقال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ وَلا تَشْتَرُوهُنَّ وَلا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ فِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ إِلَى آخِرِ الآيَةِ ))
وفي رواية:
((حتى إذا فرغ من الآية قال: والذي بعثني بالحق، ما رفع رجل عقيرته بالغناء، إلا بعث الله عز وجل عند ذلك شيطانين يرتقيان على عاتقه، ثم لا يزالان يضربان بأرجلهما على صدره، حتى يكون هو الذي يسكت ))
وهذه كلها أحادث صحيحة صريحة في تحريم المعازف، وآلات اللهو فليدع القول بحلها أولئك الذي يريدون تسهيل الدين على الناس، وليعلموا أن ما شرعه الله عز وجل، هو عين المصلحة لعباده.
هذا ومن المناسب أن نتكلم عن حديث أبي داود، الذي رواه عن ابن عمر رضي الله عنه:
(( أنه ـ يعني ابن عمر ـ كان معه نافع، فمر براعٍ معه زمارة، فجعل أصبعيه في أذنيه، وجعل يقول أتسمع يا نافع ؟ فلما أخبره أنه لا يسمع رفع أصبعيه من أذنيه وأخبره أنه كان مع الني صلى الله عليه وسلم ففعل مثل ذلك ))
يقول ابن حزم وأتباعه في التعليق على هذا الحديث: لو كان المزمار حراماً سماعه لما أباح عليه الصلاة لابن عمر سماعه، ولو كان عند ابن عمر حراماً لما أباح لنافع سماعه، والجواب على هذا:
1ـ أن المحرَّم هو الاستماع لا السماع، والفرق بينهما ؛ أن الاستماع فيه مشاركة، كأن يبادر المرء إلى آلة التسجيل ليستمع، أو أن يذهب بنفسه إلى مكان يُعزف فيه، أما السماع فهو من غير قصد، وذلك كأن يعزف إنسان في الطريق فيسمع صوت العزف، أو أن يركب سيارة أجرة فيسمع وهذا لا حرج عليه فيه ؛ لأنه ليس من فعله هو ولا من قصده، ومن هذا القبيل كان سماع ابن عمر ونافع.
2ـ أن النبي صلى يالله عليه وسلم سد أذنيه مبالغة في التحفظ، حتى لا يسمع أصلاً، فيتبين بذلك أن الامتناع عن السماع أفضل إن استطاع ذلك.
(( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلام فَقَالَ دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ حَسْبُكِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبِي ))
يقول الإمام ابن حجر في كتابه فتح الباري: استدل جماعة من الصوفية بهذا الحديث على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة..! والحق أن دلالة الحديث لا تخرج عن أمر إباحة الدفوف، وليس في الحديث ما يدل على إباحة المزامير ؛ لأن الجاريتين لم تعزفا بالمزامير.
ومعنى كلمة مزمار الواردة في الحديث هو: الصوت الحسن بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أبا موسى الأشعري يتلو القرآن بصوته الحسن قال له:
(( عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ))
بقي لنا في هذا الموضوع كلمتين:
إحداهما: أن الإسلام حرم التداوي بالموسيقا ؛ لأنه لا يعقل أن يحرِّم الله شيئاً ثم يجعل فيه شفاءً، ذلك لعموم قوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، بَاب شَرَابِ الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لا يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ لأنَّهُ رِجْسٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ".
ويقول الإمام البهوي في كتابه كشاف القناع: ويحرم تداوٍ بمحرَّم أكلاً وشرباً، وكذا صوت ملهاة، وغيره كسماع الغناء.
الثانية: أن الإسلام قد وضع من قيمة من يكون العزف والغناء ديدنه وعادته، فلم يقبل له شهادة على واقعة، لأنه مختل العدالة لمهنته المحرَّمة.
ويقول الإمام الكمال بن الهمام في شرحه على كتاب الهداية في الفقه الحنفي: ولا تُقبل شهادة من يلعب بالطنبور ".
ويقول الإمام ابن قدامة في كتابه المغني في الفقه الحنبلي: ومَن كانت صناعته محرمة كصانع المزامير والطنابير فلا شهادة له.
والحقيقة أن المسلم في غنى عن كل هذا ؛ لأن واجباته أكثر من أوقاته وأما مَن تاقت نفسه إلى هذا، فليطرب بالقرآن، وبالنشيد الإسلامي الموجه وليترك ما حرَّم الله، فمن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه في دينه ودنياه.
جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.